عندما يجتمع زعماء حلف شمال الأطلسي «الناتو» في مدينة «ويلز» البريطانية بداية سبتمبر المقبل، سيتناولون عدداً من القضايا شديدة الأهمية للتحالف، من بينها المغامرة الروسية في أوكرانيا وأماكن أخرى داخل أوروبا الشرقية، ومساهمات الدول الأعضاء في أنشطة الدفاع المشترك، وملاءمة موازنات الدفاع الوطنية الفردية، وخطط دعم الشعب الأفغاني. ورغم ذلك، وفي سياق مداولاتهم بشأن هذه القضايا، عليهم أن يؤكدوا على القيمة التي يستمدها التحالف من وجود بعض القنابل النووية الأميركية في أوروبا. ونعتقد أن ذلك ضروري لأننا نسمع مرة أخرى نداءات للولايات المتحدة كي تسحب ترسانتها من القنابل النووية بشكل أحادي الجانب. بيد أن هذه المجادلات قديمة ومألوفة وخاطئة. وأشهر الحجج في هذه المجادلات أن القوات الاستراتيجية الأميركية لديها قدرات عالمية، لذا فإن الأسلحة النووية بأيدي حلف شمال الأطلسي «ليست ذات قيمة عسكرية». وفي حين أن هذا الزعم خاطئ، فإنه كذلك يتجاهل ميزة جوهرية هي أن الأسلحة النووية بحد ذاتها أسلحة سياسية أساسية. ولعل الوظيفة المحورية لقوة الانتشار السريع أنها كانت ولازالت رمزاً واضحاً للصديق والعدو على التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن أعضاء حلف «الناتو» بكل ما أوتيت من قوة عسكرية. ويرجع انضمام الأعضاء الجدد إلى «الناتو» بشكل كبير إلى رغبتهم في الدخول تحت هذه المظلة النووية، وقد كانوا صريحين في الإعراب عن مخاوفهم من أن سحب الأسلحة سيرمز إلى تقليص التزامنا بالدفاع عنهم. وتعززت مخاوفهم عندما شاهدوا روسيا تجري تدريبات تحاكي هجمات نووية على بولندا ودول البلطيق، مهددة بشنّ هجمات نووية على مواقع دفاعية صاروخية تابعة لـ«الناتو»، بينما تواصل نشر ترسانتها الضخمة المكونة من آلاف الأسلحة النووية قصيرة المدى. والحجة الثانية أن الأسلحة النووية لم يعد لها مكان في العلاقات الدولية خلال القرن الحادي والعشرين، وبالتأكيد لن يتم نشرها بشكل سريع في «أوروبا الأطلسية». وفي خطابه الشهير الذي ألقاه في براغ، دعا الرئيس باراك أوباما الدول التي تمتلك قدرات نووية إلى تقليص الدور الذي تلعبه هذه الأسلحة في استراتيجياتها الأمنية، ومن ثم اتخذ خطوات لتنفيذ رؤيته في الولايات المتحدة. لكن باستثناء بريطانيا، لم تمض أية دولة أخرى تمتلك أسلحة نووية في اتجاه تنفيذ توصية أوباما، وإنما وسعت دول أخرى في واقع الأمر برامجها الرامية إلى تحديث الأسلحة النووية ومنح هذه الأسلحة دوراً أكثر مركزية. والأكثر أهمية بالنسبة لحلف «الناتو» أن روسيا عكفت على تحديث قدراتها النووية كافة، الأمر الذي اعتبرته موسكو ذي أهمية بالغة رغم أنها بذلك انتهكت معاهدات لتقليل القدرات النووية متوسطة المدى. ومثلما يشير حلفاؤنا في «الناتو»، تمثل الأسلحة النووية أهمية فائقة للقيادة الروسية، وبناءً على ذلك، يصر حلفاؤنا على أن الالتزام النووي الأميركي تجاه «الناتو» لا يمكن أن يصبح محل شك. والحجة الثالثة هي أن الدول الأعضاء في «الناتو» تتمتع في مجملها بتفوق عسكري تقليدي ساحق. ورغم ذلك، ترتكز هذه الحجة على مغالطتين جوهريتين. الأولى أن هذه المقارنات الجماعية تغطي حقيقة أن القوات الروسية الموجودة على الحدود الشرقية للحلف تتمتع بتفوق كبير. ومثلما أوضحت الأحداث في شبه جزيرة القرم وأوكرانيا، تحسنت القوات المسلحة الروسية بشكل كبير منذ أدائها الهزيل في جورجيا عام 2008، إذ أظهرت قدرات عملياتية مذهلة، وأظهرت أنها لم تعد ذلك الجيش المتهالك، كما كانت في العقد الماضي. والمغالطة الثانية هي أن التركيز على قدرات الحرب التقليدية تتغاضى عن حقيقة أن الهدف الأساسي للحلف هو ردع العدوان بدلا من هزيمته. وهنا تكمن أكبر قيمة تقدمها القدرات النووية لـ«الناتو». وأخيراً؛ يتم إخبارنا بأن هناك انقسامات عميقة داخل الحلف بشأن إبقاء الأسلحة النووية جاهزةً للانتشار السريع. وبالفعل فإنه خلال عامي 2007 و2008، عززت بعض الأحزاب السياسية المحلية في بعض دول التحالف هذا الجدل. لكن لا ينبغي أن يكون من المفاجئ أن تحدث مثل هذه الاختلافات في تحالف يضم 28 دولة بها حكومات منتخبة ديمقراطياً. غير أن قمة لشبونة التي انعقدت في نوفمبر 2010، حلت هذه الخلافات، واعتمد رؤساء حكومات كافة الدول الأعضاء «المفهوم الاستراتيجي» الذي ينص على أننا «سنحتفظ بمزيج مناسب من القدرات النووية والتقليدية ونضمن مشاركة ممكنة على نحو واسع النطاق من الحلفاء في التخطيط الدفاعي الجماعي بشأن الأدوار النووية، في وقت السلم استناداً إلى القدرات النووية، وعلى مستوى القيادة والسيطرة والاتصالات والترتيبات». وبعد عامين أصدر الزعماء الـ28 خلال اجتماع في شيكاغو «مراجعة شاملة لسياسات الردع والدفاع»، نصت على أن «الأسلحة النووية عنصر أساسي ضمن قدرات حلف الناتو الشاملة للردع والدفاع إلى جانب أنظمة الدفاع التقليدي والصاروخي». ومع استمرار روسيا في دعم القوات التي تسعى إلى زعزعة استقرار أوكرانيا، واتخاذ إجراءات من شأنها إثارة القلاقل في دول البلطيق والبقان، ليس هناك وقت لزعزعة حلف «الناتو» ومضايقة حلفائنا بسحب أسلحتنا النووية من أوروبا. -------- يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس» ------- ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي للرئيس بوش الأب فرانكلين ميلر مسؤول السياسات النووية في البنتاجون خلال إدارتي بوش الأب وبيل كلينتون